الشعرُ العتيقُ كالخمر، عفنُ كلماته واصفرارُ صوره فيهما مذاقٌ معتّق من خابية الزمن. طعمُه، مرٌّ إن بقي في البال حسرةً وحلوٌ لو غفى على ذكرياتٍ طيّبة. أطيبُ الذكريات قصائد منسيّة على سطور دفترٍ لا نجرؤ على فتحه لكيلا نفتح جراحاً اعتقدنا، جُبناً، أن الهروب منها هو الدواء لأوجاعها. اليوم، بعد الذي مضى من عمر، تجرّأت. عُدتُ إلى دفاتري القديمة. فتحتها. قلّبتُ صفحاتها. لم تجتاحني أيّ حسرة. لا بل غمرتني ابتسامات الدهشة والذهول. ابتساماتٌ خجولة، صامتة، رقيقة. فيها استغرابٌ، حيرةٌ، وندم. جميلٌ كان ما قرأت. ما اكتشفتُ أنّي كاتبه قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاما. فقررتُ أن أجرؤ على مسح الغبار عنه. أن أُخرجه إلى النور. أن أُطلق سراحه. أن أتحرّر من أغلاله. أن أتقاسمه. لأنّ الشعر مَشاع. ولكنّ قصائدي هذه، من عتيق أيّامي وأحلامي، كانت على شكل رسائل، كتبتها إلى سيّدة العينين الخضراوين، تلك التي عشقتها أكثر ممّا أحببتها، لأنّ حبّها كان محظوراً، ممنوعاً، مستحيلاً، سرّياً، مستوراً، بعيداً، ضائعاً بلا غد. كان عشقاً محرّما. كان حبّاً أشبه بهروب. كان ملجأ أمانٍ بين خطوط النار ومرامي القذائف. كان واحة سلامٍ في ساحات الوغى. وعليه، رسائلُ إلى عينيكِ، شِعري في العِشق المحرّم، قصيدةُ إدانتي على كرسيّ الاعتراف...بأنني عشِقتُكِ يوماً ولم أعد أخشى البوح بأنني... قد أفرطتُ في حبّي لكِ ذات ماضٍ، صار بعيداً حاضراً أبدا.