يبدو من المفيد أولاً، عزيزي الكاتب الشاب، أن نلغي من فكرنا الوهم بوجود وصفات سحرية تجعلنا من الكتّاب أو الشعراء العظام بين ليلة وضحاها. إذا اتفقنا على هذه النقطة، يمكن لنا إذًا، المتابعة معًا للوقوف على بعض السلوكيات والطقوس التي يمكن لها أن تساعدنا على تثبيت الخطوة الأولى في طريق الألف ميل. يظن الكثير من الكتّاب المبتدئين بوجود أسرار خفية جعلت لكتّابهم أو شعرائهم المحبوبين، هذه المكانة من الشهرة، والصدارة، فيشرعون في تبذير الوقت بحثًا عن اكتشاف هذه الأسرار، أو هذه الوصفات العجائبية التي بإمكانها أن تحولهم إلى كتّاب معروفين. لكن كل ما سيكتشفونه هو مجرد أوهام وخيبات وخطط دنكوشوتية لا تغني ولا تسمن من جوع. ولطالما أوصل هذا السير الخاطئ في البدايات، مئات الكتّاب أو الشعراء الشباب إلى جدار مسدود، جعلهم يتوقفون عن الكتابة ليتحولوا إلى الاهتمام بشيء آخر. نعم، هناك بعض السلوكيات والطقوس– إذا صح التعبير – من الممكن أن تجعلك تتقن الكتابة، وبالتالي تجعل من نصوصك، نصوصًا جيدة، ولها قرّاء ينتظرونها. ومن ذلك مثلاً: - أولاً: انزع من رأسك وهم الشهرة السريعة كي تبدأ مشوارك في الكتابة، عليك أولاً أن تنزع من رأسك وهم الشهرة السريعة، فالكتابة في الأساس، هواية قد تتحول إلى حرفة، والهواية هي نشاط غير منتظم، يمارسه المرء ليستمتع به في أوقات فراغه. وبالتالي، إن لم تكن الكتابة من ضمن هواياتك المفضلة التي تستمتع بها وتنميها باستمرار، فلا تنتظر أن تنتقل إلى مستوى الحرفة التي تجعل منك كاتبًا يعتد به وبأعماله. عليك أن تؤمن بهوايتك، أن تؤمن بعالمك الخاص الذي يجعل منك إنسانًا يستطيع أن يعبر عن ذاته، ويومياته، وأفكاره، ومواقفه، وأحلامه،... قبل أن يبدأ بالتفكير بقضايا الآخرين واهتماماتهم، وأحلامهم. فالقارئ إن أراد أن يقرأ، عليه أن يقرأ شيئًا خاصًا يميزك أنت عن الآخرين، وإلا لماذا سيهدر وقته في كتاباتك! صحيح، أننا بدأنا نجد على مواقع التواصل الاجتماعي، أشخاصًا يحصدون الآلاف من المتابعين، والاعجابات والتعليقات بعد نشرهم شيئًا ما. لكن، انتظر قليلًا، فهؤلاء إن لم يكن لديهم الموهبة الحقيقية، وإن لم يكن لديهم الجديّة المطلوبة في تنمية هذه الموهبة، سيختفون فجأة كما ظهروا فجأة، فهم كفقاعة الصابون... فهل تريد أن تكون فقاعة صابون؟ - ثانًيا: خصّص لنفسك طقسًا ما قبل الكتابة قد يبدو هذا الاقتراح مستغربًا، إذ ستقول في نفسك: أنا ما زلت أتلمس دربي في الكتابة، وكل همي هو كتابة نص جيد، فكيف لي أن أفكر بطقس ما قبل ذلك؟ لا تستغرب، وتوقف عن زرع الوهم في رأسك. فوجود الطقس الخاص بك للكتابة، يدفعك إلى ترتيب حضورك قبل أن تبدأ الكلمات بالتساقط على الورقة أو على شاشة الكومبيوتر. ويمكنك في هذا المقام مثلاً، أن تتخيل الكتابة كحبيبتك، عليك أن تغويها باستمرار، بمفاجأة لطيفة، تجعل الدهشة ترتسم على وجهها. إذًا ليكن فعل الكتابة لديك، كفعل لقائك بحبيبتك. فمثلًا: هناك من الكتّاب والشعراء من يأخذ حمامًا باردًا قبل الكتابة، وهناك من يضع رأسه تحت حنفية الماء لعشر دقائق، وهناك من يحلق ذقنه ويضع عطرًا على عنقه ويديه، وهناك من يفتح عددًا من الكتب وينشرها من حوله، وهناك من يمشي نحو نصف ساعة أو يشرب شيئًا ساخنًا أو باردًا قبل أن يبدأ بالكتابة... هذه بعض الطقوس التي يقوم بها بعض الكتّاب والشعراء قبل الشروع بالكتابة. فهل بدأت التفكير بطقسك الخاص؟ - ثالثًا: لا تجعل الإحباط يأكلك يستمتع بعض الكتّاب والشعراء بجلد أنفسهم إذا لم يجد نصّهم الإبداعي (قصيدة، أو رواية، أو قصة، أو نص مسرحي...) الصدى المطلوب عند نشره. وكثيرًا ما أدى هذا الشعور إلى قتل الرغبة لديهم في مواصلة الكتابة، فيهجرونها، وينقلون اهتماماتهم إلى شيء آخر، لكن تبقى هناك غصّة عالقة في رأسهم تقبع تحت عنوان أسود: الفشل. لا يمكن لأحد أن يصدر حكمًا مبرمًا على عمل إبداعي بالفشل أو النجاح. وكلنا نعرف، أن عشرات الأعمال التي لم تجد الصدى المطلوب في عصرها، قد وجدته في عصور لاحقة، كذلك كلنا سمعنا بأعمال رميت على رفوف الإهمال وكساها الغبار، وبعد سنوات تبين أنها تحتوي على مقومات فنية وإبداعية عالية المستوى. لذا، عليك نزع عنوان الفشل من رأسك، والتوقف عن جلد نفسك بتركك ما تحب والذهاب إلى ما لا تحب. طبعًا إذا كنت مؤمنًا فعلاً بموهبتك، لأن هذا الإيمان يتخلله بعض الأحيان مساحات من اللايقين، والقلق، والخوف، وحتى الكفر بكل شيء... لكن كل هذا يزول بسرعة، وتعود إلى هذا الإيمان المشرق في روحك. لا تجعل الإحباط يأكلك، بل يمكنك أن تستفيد منه، وتروضه لتجعله محطة من محطات ذاكرتك. ثق بقدراتك، كن واضحًا وشجاعًا في التعبير عمّا تريد الكتابة عنه، لا تمل من إعادة الصياغة مرة ومرتين وعشر مرات، وفي الوقت نفسه لا تهمل تنمية موهبتك وتعزيزها بالقراءة والتواصل مع كتّاب وشعراء آخرين. وقبل هذا كله، لا تنسَ أن تحافظ على طقسك الخاص، حتى لو لم ينتج منه القدرة على الكتابة مباشرة، وتذكر في المحصلة، أنك لن تستطيع مثلاً، أن تجعل حبيبتك تضحك دائمًا، أو تفرح بنور الدهشة في عينيها. * شاعر وأستاذ جامعي من لبنان