يجلس الشاعر أمام المرآة، ثم يقف ليزرع الغرفة ذهابًا وإيابًا. يشعل سيجارة، ثم أخرى. يحتسي القهوة الجاهزة... يتمدد مجددًا على أريكته، ثم يصرخ: يا إلهي... لم يعد لدي ما أكتبه! ماذا أفعل؟ لا شك أن هذه الحالة قد أصابت وتصيب معظم الشعراء والكتّاب والروائيين والصحافيين... في أي زمان ومكان. وهي حالة ليست عرضية، بل من الممكن أن تتكرر مرات ومرات، ولم يستطع أحد، أن يجد الدواء المناسب لها؛ لأنها ليست حالة مرضية تصيب الجسد، كذلك ليست حالة نفسية مستعصية تصيب العقل أو اللاوعي الباطني في الإنسان. إنها ببساطة حالة تشبه الاصطدام بجدار أسود، لا نافذة فيه. لكن هل سيؤدي الاصطدام إلى التوقف فعلاً عن الكتابة؟ وهل حقًا، هذا الجدار من دون نافذة يدخل منها النور؟ في المقابل، هل هناك وسائل مساعدة يمكنها أن تقلل من هذه الحالة، وتحدّ من وقوعها؟ لا بدّ للمرء أن يعي، أن مخزون الأفكار في رأسه، لا يستطيع أن يقيسه، أو يعرفه أو يتأكد فعلاً، من وجوده أو نضوبه. فالأفكار ونموها وتخزينها، مسألة تتعلق بمسار لا إرادي في الإنسان، وقد تجتاحه في أوضاع مختلفة من دون وقت محدد، إنما تبدو شبه حاضرة في الوقت الذي يسبق النوم، أو في حالات السعي لبناء المستقبل، والأعمال التي تحتاج إلى أفكار خلّاقة، فضلاً عن الانفعال والقلق والتوتر والتأمل... حيث يقلّ الكلام ويكثر الصمت. وهذه الأفكار لا تنمو النمو الفاعل والنشط في الإنسان من تلقاء نفسها، إنما ثمة عشرات الحوافز والعوامل والمصادر التي تغذيها. لذا، يبدو من المفيد القول إن هناك عشرات المحاولات الناجحة، للتغلب على حالة "اصطدام" الشاعر أو الكاتب بجدار العجز عن الكتابة. ومن هذه الحالات، يمكن للمرء أن يستمع إلى النصائح الآتية: لا تكتفِ بالمشي في الغرفة، وتأمل وجهك في المرآة، بل اخرج إلى الشارع. هناك قد تجد الإشارة المناسبة التي ستجعلك تعود مسرعًا إلى طاولتك، وتبدأ بالكتابة. اقرأ. لا تتوقف عن القراءة، قد تجد الإشارة في مجلة أطفال مثلاً، وقد تجدها في رواية عظيمة، أو قصيدة عادية، أو قد تظهر من خلال ورقة صحيفة تضعها تحت قنينة الزيت في المطبخ. قف على شرفتك، أو نافذتك وراقب، قد تلتمع الإشارة من خلال مشاهدتك للناس في الشارع، أو التأمل في شجرة، أو متابعة سلوك قطة وهي تبحث في القمامة عمّا تأكله. ليس من المستحيل أن تجد الإشارة وأنت تعدّ القهوة بنفسك، أو تجهّز طعامك، أو تأخذ حمامًا ساخنًا. تواصل مع أشخاص تحبهم، فقد تشتعل الإشارة، من خلال الحديث معهم عن يومياتهم، أو مشاكلهم، أو أفراحهم، أو أحزانهم... حاول أن تغير محطات التلفزيون، فمن المحتمل أن تجد إشارة ما في حوار فيلم، أو في ضحكة مذيعة، أو في رسوم متحركة، أو في مسلسل تاريخي... هذه بعض التجارب (وهناك غيرها الكثير) التي قد تمكنك من التغلب على حالة العجز عن الكتابة. فأنت تمتلك الأفكار، تأكد من ذلك، وهي لا شك كثيرة، لكن ما قد يصيبك هو حالة جفاف تجعلك تشعر لوقت قد يقصر أو يطول، أنك غير قادر على الوصول إلى أفكارك للارتواء منها. لذا، لا تجعل حالات اليأس والكآبة والاحباط تسيطر عليك، وتجعل الأمر يتفاقم أكثر فأكثر، وتجد نفسك، بدلا من أن تفتح نافذة في الجدار، تبني جدارًا آخر. شاعر وأستاذ جامعي من لبنان