يُنتظر من الطالب الباحث قبل الشروع في اختيار موضوع البحث الذي يريد انجازه لنيل شهادة في الماستر أو في الدكتوراه، أو في أي بحث أكاديمي يريد انجازه، أن يطرح على نفسه "الأسئلة الذهبية" الآتية: - هل موضوع البحث المختار للمعالجة، ضمن اهتماماتي، ولديّ الرغبة في التوسع فيه؟ - هل مصادر البحث ومراجعه سهلة البلوغ، وفي متناول اليد؟ - هل المدوّنة سهلة المعالجة، ولديّ إمكانات ومراجع ثقافية وفكرية تسمح لي بمعالجة مناسبة للمعطيات الضرورية في البحث؟ - هل لديّ القدرة على التزام المنهجية العلمية وقواعدها الصارمة، والتحكم بالمنهج الذي ألتزمه في انجاز بحثي؟ على الطالب الباحث أن يجيب بصدق عن هذه الأسئلة، وليعلم أن المرء في بعض الأحيان، قد يقدم إجابات ملتبسة ومواربة للآخرين، وربما قد تكون غير صادقة، لكن لا يمكنه أن يقدم إجابات خادعة عن أسئلة تخصّه. لذا، ليأخذ الوقت اللازم في هذا الخصوص من دون استعجال أو تهور. ولعله من المفيد أن يتأكد من نفسه، ومن قدراته ومن إمكانياته غير مرة، ويطرح على نفسه هذه الأسئلة مرة ومرتين وثلاث مرات، قبل أن يعتمد الموضوع المحدد للمعالجة نهائيًّا. ويفيد الباحث والكاتب الإيطالي أومبرتو ايكو (Umberto Eco) في كتابه: "كيف تعد رسالة دكتوراه" (ترجمة علي منوفي، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة 2002) أن هناك مجموعة أخرى من الأسئلة المفيدة في هذا السياق أيضًا؛ والأسئلة التي يقدمها ايكو تندرج في إطار مساعدة الطالب الباحث على التمكن من فهم طبيعة اختياره لموضوعه من دون سواه، ومن هذه الأسئلة: 1- لماذا (why) أدرس هذا الموضوع من دون سواه؟ كيف عالجت الأدبيات السابقة الموضوع؟ 2- ما الذي (what) يهدف البحث إلى تحقيقه؟ وما هي أهميته؟ وما هي الإضافة التي يقدمها إلى الميدان المعرفي؟ وكيف تغير معالجتنا الراهنة للموضوع من نظرتنا إليه؟ 3- أين (where)؟ أي السؤال عن المكان الذي يجرى فيه البحث. 4- متى (when)؟ أي السؤال عن الزمان الذي يُطبّق فيه البحث. 5- كيف (how) سيُعرض الموضوع؟ وما هو المنهج الملائم لدراسته؟ قد تظهر هذه الأسئلة عادية، أو سطحية. لكن، وعلى الرغم من ذلك، تُشكّل هذه الأسئلة قاعدة التصور الذي يهدف إلى اختيار ملائم للبحث، بحيث يمكن أن يتحقق ضمن الوقت المتاح (أقلّه سنة تعليمية للماستر وثلاث سنوات للدكتوراه كحدٍّ أدنى)، والإطار الذي وضع تحت تصرف الطالب. لذا، يُؤمل من كل طالب باحث عند اختيار موضوع بحثه، أن يقوم بخطوات يرسم من خلالها، خريطة طريق تساعده في إنارة طريقه، وبناءً عليه، يكمل السير في بحثه أو يعدل عنه إلى بحث آخر، ومن هذه الخطوات: * شرح موضوع البحث شرحًا مختصرًا وواضحًا: فالحديث عن موضوعك الذي يشكل محطة مهمة في سُلّم صعودك المعرفي والأكاديمي، ليس حديثًا في موضوعات متفرقة، بل يتطلب تحضيرًا فعليًّا من قبلك. من ذلك أن تترك أثرًا مدونًا، أي تكتب ما لا يقل عن 30 إلى 50 سطرًا عن موضوعك بعمق ودقّة؛ فبالرجوع إلى هذه الوثيقة المختصرة والتمهيدية، يمكن انجاز خطوات مختلفة لاحقة في مسار البحث. * قراءة "الوثيقة المختصرة" ومناقشتها مع شخص معني بموضوعها (يجوز أن يكون الأستاذ المشرف)، بهدف اكتشاف: - حجم الموضوع، وموقعه في حقل المعارف. - معنى الموضوع بالنسبة إلى المجتمع الثقافي. - صعوبة الموضوع. وقد ينتج من هذه المناقشة المبدئية، تلمس مفاصل متفرعة من الموضوع، ومدى قدرتك على متابعتها. هذه الخطوات قد تبدو بسيطة، وهذا صحيح لأن التفوق الأسمى - بحسب الشاعر والتربوي الأميركي هنري وادزورث لونغفيلو (Henry Wadsworth Longfellow/ 1807 - 1882)- هو البساطة في الأدب، وفي الأسلوب، وفي كل شيء. فعبر هذه الخطوات البسيطة قد تساهم بتعميق فهم مفاصل أساسية في عملك البحثي الأكاديمي، وتمهد في الوقت نفسه، الطريق للسير في مشروعك بثقة أكبر وتردد أقل. وإذا كانت القصة لا تنتهي هنا، فمن المؤكد أنها تعدّ البداية الصحيحة لـ"رحلة الألف ميل"، فالمشوار البحثي يحتاج إلى وقت، والتحلي بالصبر، من دون نسيان القراءات المكثفة والتدقيق والتمحيص والتقميش والتوثيق الدقيق، وعدم الاستعجال في القفز إلى النتائج. ولعله من المناسب أن تتذكر في الخلاصة، أن العمل البحثي يشبه بناء البيت؛ متعب ومرهق ويحتاج وقتًا، فضلا عن العامل النفسي والكلفة المادية، لكن لحظة اكتمال هذا البيت، ودخولك إليه، تنسى كل الوقت السابق الذي عانيت فيه لأجل هذه اللحظة، فتفرح بما فعلت، ويزول عنك كل التعب. * شاعر وأستاذ جامعي من لبنان