عادل شريفي
كاتب، روائي وشاعر سوريعن عادل شريفي
يقولون أنّ النيروز هو نقطة توازن في الكون. فيه يتساوى طرفا النّهار، ويعاود كلّ شيء مسيرته من جديد كأنّما صحا من سبات الشّتاء. يدّب النّشاط في الزّهر، في الطّير، في الطّين. كلّ المخلوقات تعيد حساباتها في هذا اليوم، إنّها صحوة الكون. جميلٌ أن تكون من ضمن إجراءات توازن الكون. إنّها مسؤوليّة إضافيّة لقلمٍ لا يعرف السّكون. في الحادي والعشرين من شهر آذار مارس من العام 1970 تفتّحت زهرة حياتي على شجرة عائلة متوسّطة لأبٍ ضابطٍ في الجيش (سيكون لنا وقفة مع شخصيّته الفريدة فيما بعد) وأمٍّ متوسّطة التّعليم متوقّدة الذّكاء، حازت على حكمة فطريّة وحنانٍ زائد أحاطت به أبناءها الذّكور الأربعة. كنتُ الثّالث بالتّرتيب الزّمني. أخبرتني أنّها كانت تنتظر مولوداً أنثى حين جئتُ أنا، ربّما هذا يفسّر انفتاحي على عالم الأنثى بهذه الأريحيّة والدّقة المتناهية في تصوير مشاعرها وأحاسيسها. بيتنا المتواضع كان أحد أهمّ الصّالونات الأدبيّة في مدينة حمص في سوريا، المدينة التي استوطنتها العائلة تبعاً لمكان خدمة والدي العسكرية، زار بيتنا أهمّ الفنّانين والشّعراء والكتّاب السوريين الذين كانوا توّاقين لسماع نفائس الموسيقى والغناء الشرقي الذي يتفرّد والدي باقتناء نفائسه ونوادره الكلاسيكيّة. مجموعة هائلة من القصائد والأغاني التي حفظتها عن ظهر قلب (إضافةً إلى اسم ملحنها وكاتب كلماتها) في سنٍ مبكرة فتحت لي نوافذ واسعة على عالم الموسيقى، أوّل وأهمّ الفنون على الإطلاق. ومنها تفرّعت المواهب التي كان والدي يحضّنا على تنميتها أنا وإخوتي، فكنت الرّسام والموسيقي وصاحب الصّوت الجميل والرّياضي المتميّز في عدّة رياضات أساسيّة. غير أنّ المطالعة كانت شغفي الذي لا ينتهي، عالمٌ أغيب فيه عن أقراني وأترابي، علوم شتّى غُرست عندي في اللاوعي، يستطيع أن يستشفها من يُطالع أدبي بكلّ سهولة من زخم وتشعّب المعلومات التي تنضح من قلمي هنا وهناك. ربّما كنت في المدرسة طالباً عادياً، إلا أنّ حصّة الإنشاء (التّعبير) كانت ميداني الخاص الذي أفرض فيه سيطرتي على الجميع، المعلّمة قبل التلاميذ، كانت مواضيعي تلفّ المدرسة كلّها على الدّوام كمثالٍ يُحتذى لبقيّة الطّلاب عن كيفية إنشاء المواضيع التّعبيريّة. بل إنني كنتُ مضطراً لأن أكتب ذات الموضوع بعدّة أشكال تماشياً مع رغبة زملائي المقرّبين في أن أساعدهم على كتابة مواضيع إنشائيّة مميّزة كموضوعي (إلا أنني بالطّبع كنتُ أحتاط لذلك جاعلاً المواضيع المستنسخة الأخرى في الدّرجة الثانية دائماً). درست الحقوق في جامعة حلب فكنتُ مبرزاً فيها وتخرّجت كأصغر خريج في سوريا وربّما على مستوى العالم (21 عام) وتسجّلت فوراً في نقابة المحامين في مدينة حمص برقم 571. أديّت خدمة العلم وعدتُ لمهنة المحاماة وفيها أجدت أسلوب الصّياغة وترتيب الأفكار واطلعت بحكم عملي كمحام لأكثر من سبعة عشر عاماً (قبل أن أترك المهنة نهائياً) على الكثير من القصص والأحداث التي أعطتني بعداً إنسانياً ربّما لم يتسنى لكثيرٍ من الكتّاب. خلال ممارستي لمهنة المحاماة كنت مثال الفارس الذي يودّ محاربة كلّ طواحين الهواء، غير أنّ اليأس تسرّب إلى قلبي سريعاً تبعاً لكمّ الفساد المستشري في جسد النّظام القانوني. غير أنني بقيت بالرّغم من ذلك أساعد كلّ من استطعت الوصول إليه حتّى آخر يومٍ لي في المهنة، وأنقذت الكثيرين قبل أن يغرقوا في وحول النّظم القضائيّة وأروقة المحاكم (مع الاحترام لكل رجل قانون شريف). حصلت على دبلوم في إدارة الأعمال في العام 2003 في عزّ انشغالي في ممارسة المحاماة، فكانت نقطة تحولٍ في مسيرتي المهنيّة واستهواني عالم الاقتصاد والأعمال إلى حدٍّ جعلني أفكّر ملياً في الخوض فيه. أخيراً تحقق الأمر في منتصف العام 2009، فتركت المحاماة أخيراً بضغط كبير من شاعريّتي وإنسانيّتي التي لم تعد تسمح لي بتحمّل ضغوطات المهنة (التي عشقها يوماً) التي فاقت كلّ تصوّر، فتحوّلت على الفور إلى مدير في إحدى أهمّ شركات التأمين في الوطن العربي وانفتحت من خلالها على عالم التّدريب والتّحفيز الذي أضاف لأسلوبي الأدبي الكثير من الواقعيّة. دبلوم آخر في التأمين حصلت عليه في العام 2011. حتّى العام 2012 لم تكن في جعبتي أيّة مؤلفات تذكر فيما خلا الخواطر الشّخصية وبضع قصائد بدائيّة المبنى عميقة الصّور. لكن دعونا نعود للعام 2010، العام الذي ودّعت فيه والدي بعد صراعٍ مع المرض، يومها أهداني وهو على فراش الموت (الرّجل الذي ما انقطعت هداياه أبداً حتّى على فراش الموت)، أسرّ لي بسرٍ جسّدته في روايتي الأولى التي صدرت في العام 2012 "حب في زمن الثورة" عن دار بعل. رواية كانت الخطوة في طريق الألف ميل الذي قررت أن أخطوه. فجسّدت فيها فترةً من تاريخ حياة والدي الحافلة بالقيم والمثل العليا والحبّ الصّافي، والتي ترافقت مع أهمّ فترات التّاريخ السّوريّة. رواية أثارت ضجّة كبيرة في عالم الأدب وجعلتني أتبوّأ مقعداً مهماً في عالم الرّواية العربيّة. ملاحظة تمّ منع تداول الرّواية في سوريا منذ صدورها وحتّى منصف العام 2015. في العام 2013 كانت مجموعتي الشّعريّة الأولى (الباقة)، وكذلك مجموعة (قلوب كسيرة) القصصية. في العام 2014 جاءت مجموعتي الشعريّة الثانية "مرآة المرأة"، وكذلك كانت "بلا خطيئة" مجموعتي القصصية الثانيّة. في العام 2015 كانت مجموعتي الشّعريّة الثّالثة "نشيد الرّوح". في العام 2017 صدرت لي روايتي الثانيّة "هكذا تكلّمت ناهد" عن دار الغد العربي في بيروت. رواية جريئة ذات مضامين بعيدة المرمى أثارت كسابقتها الكثير من الجدل في الأوساط الأدبيّة، وهي بالمناسبة ممنوعة من التّداول في سوريا حتّى تاريخه! وفي ذات العام أيضاً تفرّغت للكتابة بشكل كامل تقريباً (استقلت من وظيفتي كمدير في شركة التأمين)، إضافة إلى التدريب التّخصصي في التنميّة الذاتيّة. في العام 2018 صدرت رواية "اللعب مع السّلطان" عن دار دال. في العام 2019 أصدرت وزارة الثّقافة السوريّة مجموعتي القصصيّة الثالثة "يوميّات وطن"، المجموعة التي أرّخت للحرب السوريّة التي أتت على كلّ شيء تقريباً، فكانت سرداً تأريخياً أدبيّاً لمآسي هذا الوطن الجريح من خلال سبع قصص تُركت فيها الأبطال أن تتكلّم بعفويّة وعلى سجيّتها. ثمّ جاءت مجموعتي الشّعريّة الرّابعة "سيّدة القصر" 2019، وكذلك مجموعتي القصصيّة الرابعة "الفقراء وحدهم يموتون" التي ركّزت على البعد النّفسي والتّرميز في تناول مآسي الحرب ومشاكل الوطن. أنتظر حالياً إصدار روايتي الرّابعة "ولدت مرّتين"، الرّواية الفلسفيّة الرّوحانيّة التي أتوقّع لها أن تكون من أهمّ الرّوايات العربيّة الصّادرة في العقود الأخيرة. ومازال قلمي يرتعد في يدي......
عادل شريفي
يقولون أنّ النيروز هو نقطة توازن في الكون. فيه يتساوى طرفا النّهار، ويعاود كلّ شيء مسيرته من جديد كأنّما صحا من سبات الشّتاء. يدّب النّشاط في الزّهر، في الطّير، في الطّين. كلّ المخلوقات تعيد حساباتها في هذا اليوم، إنّها صحوة الكون. جميلٌ أن تكون من ضمن إجراءات توازن الكون. إنّها مسؤوليّة إضافيّة لقلمٍ لا يعرف السّكون. في الحادي والعشرين من شهر آذار مارس من العام 1970 تفتّحت زهرة حياتي على شجرة عائلة متوسّطة لأبٍ ضابطٍ في الجيش (سيكون لنا وقفة مع شخصيّته الفريدة فيما بعد) وأمٍّ متوسّطة التّعليم متوقّدة الذّكاء، حازت على حكمة فطريّة وحنانٍ زائد أحاطت به أبناءها الذّكور الأربعة. كنتُ الثّالث بالتّرتيب الزّمني. أخبرتني أنّها كانت تنتظر مولوداً أنثى حين جئتُ أنا، ربّما هذا يفسّر انفتاحي على عالم الأنثى بهذه الأريحيّة والدّقة المتناهية في تصوير مشاعرها وأحاسيسها. بيتنا المتواضع كان أحد أهمّ الصّالونات الأدبيّة في مدينة حمص في سوريا، المدينة التي استوطنتها العائلة تبعاً لمكان خدمة والدي العسكرية، زار بيتنا أهمّ الفنّانين والشّعراء والكتّاب السوريين الذين كانوا توّاقين لسماع نفائس الموسيقى والغناء الشرقي الذي يتفرّد والدي باقتناء نفائسه ونوادره الكلاسيكيّة. مجموعة هائلة من القصائد والأغاني التي حفظتها عن ظهر قلب (إضافةً إلى اسم ملحنها وكاتب كلماتها) في سنٍ مبكرة فتحت لي نوافذ واسعة على عالم الموسيقى، أوّل وأهمّ الفنون على الإطلاق. ومنها تفرّعت المواهب التي كان والدي يحضّنا على تنميتها أنا وإخوتي، فكنت الرّسام والموسيقي وصاحب الصّوت الجميل والرّياضي المتميّز في عدّة رياضات أساسيّة. غير أنّ المطالعة كانت شغفي الذي لا ينتهي، عالمٌ أغيب فيه عن أقراني وأترابي، علوم شتّى غُرست عندي في اللاوعي، يستطيع أن يستشفها من يُطالع أدبي بكلّ سهولة من زخم وتشعّب المعلومات التي تنضح من قلمي هنا وهناك. ربّما كنت في المدرسة طالباً عادياً، إلا أنّ حصّة الإنشاء (التّعبير) كانت ميداني الخاص الذي أفرض فيه سيطرتي على الجميع، المعلّمة قبل التلاميذ، كانت مواضيعي تلفّ المدرسة كلّها على الدّوام كمثالٍ يُحتذى لبقيّة الطّلاب عن كيفية إنشاء المواضيع التّعبيريّة. بل إنني كنتُ مضطراً لأن أكتب ذات الموضوع بعدّة أشكال تماشياً مع رغبة زملائي المقرّبين في أن أساعدهم على كتابة مواضيع إنشائيّة مميّزة كموضوعي (إلا أنني بالطّبع كنتُ أحتاط لذلك جاعلاً المواضيع المستنسخة الأخرى في الدّرجة الثانية دائماً). درست الحقوق في جامعة حلب فكنتُ مبرزاً فيها وتخرّجت كأصغر خريج في سوريا وربّما على مستوى العالم (21 عام) وتسجّلت فوراً في نقابة المحامين في مدينة حمص برقم 571. أديّت خدمة العلم وعدتُ لمهنة المحاماة وفيها أجدت أسلوب الصّياغة وترتيب الأفكار واطلعت بحكم عملي كمحام لأكثر من سبعة عشر عاماً (قبل أن أترك المهنة نهائياً) على الكثير من القصص والأحداث التي أعطتني بعداً إنسانياً ربّما لم يتسنى لكثيرٍ من الكتّاب. خلال ممارستي لمهنة المحاماة كنت مثال الفارس الذي يودّ محاربة كلّ طواحين الهواء، غير أنّ اليأس تسرّب إلى قلبي سريعاً تبعاً لكمّ الفساد المستشري في جسد النّظام القانوني. غير أنني بقيت بالرّغم من ذلك أساعد كلّ من استطعت الوصول إليه حتّى آخر يومٍ لي في المهنة، وأنقذت الكثيرين قبل أن يغرقوا في وحول النّظم القضائيّة وأروقة المحاكم (مع الاحترام لكل رجل قانون شريف). حصلت على دبلوم في إدارة الأعمال في العام 2003 في عزّ انشغالي في ممارسة المحاماة، فكانت نقطة تحولٍ في مسيرتي المهنيّة واستهواني عالم الاقتصاد والأعمال إلى حدٍّ جعلني أفكّر ملياً في الخوض فيه. أخيراً تحقق الأمر في منتصف العام 2009، فتركت المحاماة أخيراً بضغط كبير من شاعريّتي وإنسانيّتي التي لم تعد تسمح لي بتحمّل ضغوطات المهنة (التي عشقها يوماً) التي فاقت كلّ تصوّر، فتحوّلت على الفور إلى مدير في إحدى أهمّ شركات التأمين في الوطن العربي وانفتحت من خلالها على عالم التّدريب والتّحفيز الذي أضاف لأسلوبي الأدبي الكثير من الواقعيّة. دبلوم آخر في التأمين حصلت عليه في العام 2011. حتّى العام 2012 لم تكن في جعبتي أيّة مؤلفات تذكر فيما خلا الخواطر الشّخصية وبضع قصائد بدائيّة المبنى عميقة الصّور. لكن دعونا نعود للعام 2010، العام الذي ودّعت فيه والدي بعد صراعٍ مع المرض، يومها أهداني وهو على فراش الموت (الرّجل الذي ما انقطعت هداياه أبداً حتّى على فراش الموت)، أسرّ لي بسرٍ جسّدته في روايتي الأولى التي صدرت في العام 2012 "حب في زمن الثورة" عن دار بعل. رواية كانت الخطوة في طريق الألف ميل الذي قررت أن أخطوه. فجسّدت فيها فترةً من تاريخ حياة والدي الحافلة بالقيم والمثل العليا والحبّ الصّافي، والتي ترافقت مع أهمّ فترات التّاريخ السّوريّة. رواية أثارت ضجّة كبيرة في عالم الأدب وجعلتني أتبوّأ مقعداً مهماً في عالم الرّواية العربيّة. ملاحظة تمّ منع تداول الرّواية في سوريا منذ صدورها وحتّى منصف العام 2015. في العام 2013 كانت مجموعتي الشّعريّة الأولى (الباقة)، وكذلك مجموعة (قلوب كسيرة) القصصية. في العام 2014 جاءت مجموعتي الشعريّة الثانية "مرآة المرأة"، وكذلك كانت "بلا خطيئة" مجموعتي القصصية الثانيّة. في العام 2015 كانت مجموعتي الشّعريّة الثّالثة "نشيد الرّوح". في العام 2017 صدرت لي روايتي الثانيّة "هكذا تكلّمت ناهد" عن دار الغد العربي في بيروت. رواية جريئة ذات مضامين بعيدة المرمى أثارت كسابقتها الكثير من الجدل في الأوساط الأدبيّة، وهي بالمناسبة ممنوعة من التّداول في سوريا حتّى تاريخه! وفي ذات العام أيضاً تفرّغت للكتابة بشكل كامل تقريباً (استقلت من وظيفتي كمدير في شركة التأمين)، إضافة إلى التدريب التّخصصي في التنميّة الذاتيّة. في العام 2018 صدرت رواية "اللعب مع السّلطان" عن دار دال. في العام 2019 أصدرت وزارة الثّقافة السوريّة مجموعتي القصصيّة الثالثة "يوميّات وطن"، المجموعة التي أرّخت للحرب السوريّة التي أتت على كلّ شيء تقريباً، فكانت سرداً تأريخياً أدبيّاً لمآسي هذا الوطن الجريح من خلال سبع قصص تُركت فيها الأبطال أن تتكلّم بعفويّة وعلى سجيّتها. ثمّ جاءت مجموعتي الشّعريّة الرّابعة "سيّدة القصر" 2019، وكذلك مجموعتي القصصيّة الرابعة "الفقراء وحدهم يموتون" التي ركّزت على البعد النّفسي والتّرميز في تناول مآسي الحرب ومشاكل الوطن. أنتظر حالياً إصدار روايتي الرّابعة "ولدت مرّتين"، الرّواية الفلسفيّة الرّوحانيّة التي أتوقّع لها أن تكون من أهمّ الرّوايات العربيّة الصّادرة في العقود الأخيرة. ومازال قلمي يرتعد في يدي......
تعريف: كاتب، روائي وشاعر سوري